- Unknown
- 7:57 ص
- الشاعر عمرو الشيخ ، جريدة المساء ، مقالات
- لاتوجد تعليقات
عمرو الشيخ وأساطير الآخـِرين
بقلم :يسري حسان - جريدة المساء
عن دار الأدهم للنشر والتوزيع صدر حديثا ديوان أساطير الأخـِرين للشاعر عمرو الشيخ . وهو الديوان الثالث بعد ديوان قصائد تسعي.. وأخري تصل 2011 "وديوان" المملوك 2013 "الصادرين عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. يطالعنا عمرو الشيخ بالعنوان أساطير الآخـِرين وبعنوان صغير آخر بين قوسين كتاب السر. وكأن الأساطير كثيرة . والشاعر سيحدثنا هنا عن السر فقط . وربما يحدثنا فيما بعد عن أساطير أخري. ومنذ أن نقرأ عنوان الديوان أساطير الآخِرين نصاب بالدهشة لأننا قد سمعنا عن أساطير الأولين التي ورد ذكرها في القرآن الكريم . أما أساطير الآخرين فهذا ما يجذبنا إليه هذا العنوان جذبا.
وقد قسم الشاعر الديوان إلي قسمين: الأول نثري بعنوان : "أساطير الآخِرين النهر القادم من الجنة صوب الشاعر الوليمة". والقسم الثاني موزون يمزج فيه الشاعر بين قصيدة التفعيلة وبعض القصائد العمودية. في إشارة واضحة إلي إمكان تجاور كل أشكال الكتابة. حيث العبرة بالجوهر لا العرَض. وبالفن لا شكله . وفي القسم الأول مجموعة من الأساطير يصل عددها إلي ثماني عشرة أسطورة يبدأها الشاعر كل مرة بقوله : تقول أسطورتك وكأن هذا الكلام موجه ـ في المقام الأول ـ إلي هذه الأميرة الغائبة/الحاضرة التي أهدي الشاعر لها الديوان إهداء رقيقا:
إلي
أميرة الجنة
من لا عين رأتْ
ولا أذن سمعتْ
ولا خطرتْ علي قلب شاعر
إنما أشكو بثـِّي وحزني إلي الله
"2"
العلاقة بين الشعر والعشق علاقة قديمةأزلية . فهما وجهان لعملة واحدة في كثير من قصائد الشعر العربي . لكننا هنا نجد بعدا ثالثا واضحا هو الألم . فالشاعر الذي ينهشه العابرون يأتيه نهر من الجنة / هذه الأميرة الأسطورية التي ـ كما قال عنها ـ انتظرَتـْها قلوب الأطفال في حكاياتهم . التي غيرت مجري حياة الشاعرحين مر نهرها : مرَّ . ومرَّ . ومرَّ قدر الانتظار» كي يسقيَ القلبَ الخربَ شربةً لن يحزن بعدها أبدا . واستأنس الحياة .
بل غيرت هذه الأميرة وجه الحياة كلها : بينما الأرض تشرئب علها تُـقَـبِّـل جبينها حين السجود.فكان العطر الذي وسع كل أزهار الحياة ..
ويقول عنها :
وقفتْ تصلي. فينشقُّ من جبينها نهر. تستلمه البقاع المحرومة حين السجود. فيطمئن الجياع والعطاش ...حين تدعو تأذن السماء للطيور أن تعود. فالأعشاش جاهزة في قلبها » فتخرج القصائد من الأرض زرعا يوحد المواسم حولها. تصلي وتذكر أن في دمعها حقا للسائل والمحروم. فتفيض تفيض تفيض ..
وكان الشاعر ـ كما قال ـ علي حزن فوقف خلفها مأموما. ولم يهتم بالأشخاص السطحيين من مدعي التدين الذين يأخذون من الدين بعض القشور بغير تعمق في جوهره . فهم لم يسألوا عن حكم سكرهم بالأنين والحنين. ولم يسألوا عن الإقامة حول نهرها متلذذين بسرقة أحلام القصائد. كل ما يشغل بالهم هو السؤال عن حكم الصلاة خلفها . وهذا السؤال ـ وإن كان مشروعا ـ يجب أن تكون إلي جواره أسئلة أخري مشروعة أيضا. لكن إجاباتها في غير صالحهم. لذا يكتفون بما هو ضد الشاعر و لا يؤثر علي مصالحهم:
ويقول الشاعر مبينا أثرهذه الأميرة فيه واصفا لها:
كان هذا شرف الانتظار . أذكار الحلم التي كلما رددها الشاعر طاب قلبه .وشفت روحه واحتمل نهش العابرين والمقيمين.هي أذكار الحُلم. ِوْردى بلا وقت . طير لا يحط. هي البراق الذي يوصل دون المكان والزمان.
إنه يبحث عن جوهر الحب وعن أثره الرائع وكيف يحييه من مواته. ضمن ثلاثيةِ أبدية العشق والشعر والألم .فهو يذكرني ببيت لنزار قباني يقول فيه:
الحب في الأرض بعض من تخيلنا
لو لم نجده عليها لاخترعناه
والشاعر هنا ـ في هذه الأسطورة ـ هو الفاعل بل إنه الذي يروي أسطورة هذه الأميرة / الحلم . فهو الذي صنعها . أو صنع لها هذا الحب باحتاجه إليه . رسم هذه الصورة الرائعة. واستطاع ببراعة أن ينفذ إلي أعماقنا بإحساس مفعم بالحب والفقد والألم . دفعه إلي كتابة صادقة . صافية . معبرة عن آلام النفس والحب . مستدعيا التراث الإسلامي كثيرا . والتراث العالمي أحيانا " ليكتب به لا ليكتب عنه " بكل سلاسة ورقة يصوغ عالما مذهلا من الألم الحقيقي والتجربة الحية بثياب أسطورية رائعة .
"3"
في القسم الثاني يبدأ الشاعر بثلاث قصائد تفعيلية تحمل نفس الاسم " السر " يحاول فيها أن يطلعنا علي هذه المرأة /السر/ الحلم . أو بالأحري يطلعنا علي أثرها عليه فينجح في زيادة شغفنا بحالته يقول:
امرأة زخرفت الدنيا
وأحالت كل وعوراتي ...
لسهولي تحملني حانيةً ناحية الجنة
تابت كل ذنوبي حين أهلّتْ
وانسابت عيناها نولاً ..
فانغزلت كل كوابيس العمرِ الجاثمِ أحلامًا .
أشعارًا. صوفًا يحتضن القلبَ المتجمد..
بقصائد نور
فهذه المرأة / الحلم ما خطرت علي قلب شاعر ـ كما قال عنها في الإهداء ـ يقول لها في قصيدة وحدك :
لا تنتظري.. موسيقي. أو شعرًا . أو لوحاتي. لن تنصفك أيُّ فنوني وحدك أنت الفنُّ الثامن.
وتتردد علي صفحات الديوان قصائد بعنوان "شرف الانتظار" وكأن الشاعر يعلن حرصه الشديد علي الانتظار بل يعتبره شرفا.
يقول في قصيدة "السر إمام":
يا امرأة طـرزها الربُّ
بحياء ما عرف المثلا
قد صلي بهواك القـلبُ
ياشـعـر لا يجـد القـولا
يغزلني فؤادك أحلامـا
فعسـاني لـو أغـدوالنولا
قدَّمتُك في الصف إمامًا
وتبعتك لا أمـلك حَــولا
وما بين قصائد السر الثلاثة وانتظار السر وأغنية السر وراهبة السر و السر إمام و صلاة السر وعين السر والجنة تنتظر السر والسر يسود ومن علامات السر .
يستمر الشاعر في إذاعة هذا السر الجميل الذي تكلمت فيه الحبيبة /الحلم قليلا يقول في قصيدة من علامات السر:
كانت حادثة الشقِّ الثانية
قلتُ..
لست نبيًّا
قالت:
من حيث الكوثر جئتك
كي أغسل قلبك
من أثر النهش
كي أنقذ كل فراشات خجلي
بفؤادك
وأعيد إلي الشعر اللون
ويقول في قصيدة نسخ العمودية الرائعة:
فنصحت قلبي أن يموت كفارسي
ما العشق إلا كبوةى .... فكبوتُها
هلا استندت علي فـؤادك مرةً
صمتت طويلا. وانتشت.. فسمعتها
الله علي هذا الصمت المتكلم الذي يسمعه الشاعر. ويالها من قصيدة عمودية تمتلئ بالصور الرائعة والمشاعر المتأججة بلغة صافية كالسهل الممتنع الذي إذا سمعه الجاهل . ظن أنه يحسن مثله . فإذا حاول لا يستطيع
ويختم الشاعر الديوان الرائع بقصيدة الموكب وهي من القصائد التفعيلية المحملة بالإشارات التراثية
عن "هاجر" و"ابراهيم" و "موسي" و"مريم " و"زكريا" و"خديجة" و"قريش" و"فاطمة" وكأنه اراد بالموكب التاريخ: تاريخ البشرية وتاريخه الشخصي الذي بدأ من جديد مع هذه القصة السطورية التي صاغها الشاعر في هذا الديوان "أساطير الآخرين". هنيئا لعمرو الشيخ بالديوان الجميل. وهنيئا لنا بالنتعة الصافية.
المصدر : جريدة المساء
عمرو الشيخ وأساطير الآخـِرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق