- Unknown
- 9:57 ص
- ادب ، الشاعر عمرو الشيخ ، دراسات نقدية ، دراسات نقدية بقلمي
- لاتوجد تعليقات
الموتى يقفزون من النافذة ...
.. نص يبحث عن آلية لكيفية قراءته !!
فتحي عبد السميع .. اسم أوجد لنفسه مكانا ومكانة في الشعر العربي منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي بدءًا من ديوانه "الخيط في يدي" 97 مرورا "بتقطيبة المحارب" 99 ، "خازنة الماء" 2002 ، "فراشة في الدخان" 2008 ، وأخيرًا "تمثال رملي" ، و"الموتى يقفزون من النافذة" ..كذلك هو باحث جاد ، وناقد أمين ... إذن نحن أمام أديب جدير أمام نصوصه أن نتوقف
"فتحي عبد السميع" يقدم نصا محفوفا – من قبل الدخول إليه – بملابسات تثير أسئلة لها رائحة الريبة
ابتداءً – وليس هذا موضوعنا – تواجهني أزمة المصطلح "قصيدة النثر" مع أن المصطلح له تاريخيته التي تعود إلى 1957 عندما أصدر (يوسف الخال) مجلة (شعر) حيث ظهرت قصيدة النثر العربية بوصفها حركة مستقلة لها خصوصيتها
ويشهد الله أنني – شخصيا – منذ هذا التاريخ وحتى الآن لم أستطع أن أميز لا الحركة ولا المستقلة ولا الخصوصية المزعومة
فقط قدمت قصيدة النثر ظلالات باهتة لـــ رامبو ، سنا جون بيرس ، إليوت ، عزرا باوند .. لا شيء إلا الاستجابة لأطروحات الوهم التي صدرها لنا "الخال" و"أدونيس" الذي حمل على عاتقه مهمة نقل قصيدة النثر الغربية إلى أدبنا منذ اطلع على كتابات "سوزان برنار"
الخلاصة أن البيانات الصادرة آنذاك دعت إلى قصيدة النثر من أجل :
- التعبير عن التجربة الحياتية
- الاهتمام بالصورة الحية (وصفية أم ذهنية)
- ابتكار لغة جديدة مستمدة من الواقع
- النهوض بالإيقاع العربي
- تطوير الجو العاطفي للنص ، وتجاوز التسلسل المنطقي
- الإنسان مركز للعالم / ومحور للقصيدة
- إعادة النظر في التراث
- الإفادة من الأدب العالمي
- الاهتمام بروح الشعب
كان هذا بيان الخال أضاف عليه (أدونيس) :
دفع كل ما هو سائد وثابت مع تفجير نظام اللغة والقيم السائدة مع تحدي سلطة الماضي والتراث وإدانة المثقف العربيولعل الباكورة الأولى لتلك الجهود كان ديوان (لن) لأنس الحاج في قصيدة النثر
وقد علل (أنس الحاج) في مقدمة ديوانه أسباب ظهور قصيدة نثر عربية إلى :
- ضعف الشعر التقليدي
- تغير العالم
- كثرة الترجمات عن الشعر الغربي
- تطور الشعر الحر واقترابه من الكلام الدارج
- تحرير الشاعر العربي من لغته
! المدهش أن أدونيس يرى مؤمنا بما قاله بودلير : إن الشعر الحديث يجب أن يتخلى عن الحدث !! وهو ما لم تفعله الأجيال التالية !!
بل إن أدونيس ذهب إلى أن ذروة المجد الأدبي حين يصبح الأدب نصا لا جنس له (مسرح / شعر / قصة / رواية ..) لا جنس للأدب .. !!
وحين رأى أدونيس إن شاعر النثر إنسان عالمي غير فردي ، ذهب (الخال) إلى حتمية الفردية في الرؤيا لقصيدة النثر وبالطبع لم ينتبه المهرولون فهم منشغلون بالهرولة خلف همزات الوصل الغربية !!
- ثم تجلى مفهوم النثريين إلى رفض كل موروث وكل ما هو سائد إيمانا بصدمة الحداثة التي انطلق فيها أدونيس من النص القرآني – حسب زعمه – فهو نص متجاوز للأجناس الأدبية السائدة فإذا كان القرآن رفض النماذج السائدة فلم لا يرفض الشعر النماذج السائدة .. ؟!
ومن ثم فالشاعر الأدونيسي هو ذلك المتخلي عن الماضي ليرتبط بينابيع الحياة الحية
إذن هي فلسفة الرفض لكل ثابت ..
مجاز – موسيقى – لغة – موروث ...
وكم كان (أنس الحاج) واضحا حين قال في مقدمة كتابه (لن) :
[أول الواجبات التدمير] و [التخريب حيوي ومقدس]
[ومهمة القصيدة أن تتلقى فيها دفعة فوضوية هدامة]
ثم قال : لتكون قصيدة النثر قصيدة نثر حقا لا قطعة نثر فنية ، أو محملة بالشعر ، شروط ثلاثة :
- الايجاز : الكثافة في استخدام اللفظ سياقا و تركيبا
- التوضيح : الاشراق في استخدام اللفظ و لو أستخدمنا غيره ينطفئ بريق الدلالة و الجمال
- المجانية : وتعني اللازمنية فالدلالة متغيرة حسب السيق و الرؤية و التركيب فقصيدة النثر مفتوحة الدلالات ، تفهم علي مستويات عدة
كل هذا علاوة على تقديس النص الصوفي من جهة استخدام اللغة استخدامات تتجاوز طاقاتها المضادة ولا يخفى على أحد احتفاء أدونيس بالموروث الصوفي !
فماذا تبقى إذن من نص النثر – المرفوض أساسا لي – من الشروط التي وضعها مؤسسوه ودعاته ؟!
لم يبقَ إلا الحياتي واليومي واللغة الدارجة وضياع الفوارق بين أجناس الأدب ..
في ديوان "الموتى يقفزون من النافذة" لا مجال للحديث عن الموسيقى أو مناوشات الاستفهام والحوار فنحن أمام لغة أقرب إلى اللغة الدارجة في معظم قصائد الديوان .. أما المجاز فقد تبادل الأدوار مع الحدث بشكل متلاحق ...
الغريب إن عنوان الديوان يحمل مجازا رائعا هذا المجاز أشعر وكأنه تسلل على غير إرادة الشاعر عبر قصائده أو قلف عبر نصوصه التي تراوحت بين الشعر والقصة داخل النص الواحد أحيانا
فإذا طالعتك الشعرية متكئة على المجاز في عيد الحب صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 9
فلا شك أن القصصية تتسيد الموقف في "نُقارة في يد المجذوب" صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 11
وكذلك في "ناي في الهواء" صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15
ثم تستمر الشعرية في الصعود عبر نصوص "يد تدفع الظهر" صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 21
"وعشية الحرب" صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 25
وتتجلى "الشعرية والذاتية" في نص "الشوارب في غيابنا" صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 23
أما في نص "الموتى يقفزون من النافذة" صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33
فالتفاصيل والسرد والحدث والزمن يشهدون بأن النص قصة وكون النص قصة أو شعر أو أي شيء ليس قدما في مذهب النثريين
وقبل أن يهاجمني سائل متربص من أين جئت بالحكمة لتصنف النصوص هكذا.. شعر – قصة - .....
أقول إن القصة في أبسط تعريفاتها .. حدث – بطل – سرد وهذا يتضح في نصوص كثيرة بهذا الديوان
كذلك فإن الشعرية تتكئ على الإحساس بالحدث لا الحدث ذاته اعتمادا على المجاز واللغة المراوغة والموسيقى والإيقاع فإن اختفت
الموسيقى المنتظمة عن بعض النصوص التي أراها شعرية لم يخفت الإيقاع :
عــــرفــــت للــوهـلـــة الأولــــــى
كـــم عشت غريبــــــا بلا مبـــرر
وكــــــــــم ســـأبقــى غريبـــــــــا
بين
شـــــــــــوارب وعكـــــاكـيز
نــــــبـتــت في غيــــــــــــــابــــي
لــــم يـــــــكن في حسبـــــانـــــي
سوى عتــــــاب المـــــــوتـــــى
وتراكم
الغبار ، والعناكب ، والخنافس ..
وأحيانا داخل النص الواحد تتزاوج الروح الشعرية والقصصية كما في "عتمة صغيرة" صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 49
أما الشعرية وحدها فتتسيد الموقف في صلاة صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 51
مجاز وإيقاع ولغة مشحونة بالدلالات والإيحاءات ... ذات فاعلة داخل النص الذي لم تفارقه الموسيقى أيضا
لكن في النص التالي مباشرة (المسرات القديمة) صـــــــــــــــــــــــــــــــــ 53
أنا أمام قصة بمفهومها الكامل
ثم تعلو لغة المجاز في دهشة وشعرية رائعة في نص "فراشة تحت الحذاء.." صــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 59
.... لا أدري ... هل المتعة وحدها كفيلة بصنع الشعرية ...
فماذا لو تحققت من مقال هل يصبح شعر ؟
أين تكمن الشعرية لو طرحنا جانبا ونحينا المجاز – الموسيقى – الإيقاع – الوثوب من الموروث عبر التناص أو غيره ... بم تتحقق الشعرية ... لا أدري
الحياتي – اليومي وغيرهما واللغة الدارجة هل هي أشياء تصنع نصا ؟ أم تصنع نصا شعريا ...
المتعة والمعرفة تحققتا لي في نصوص المبدع "فتحي عبد السميع" لكن ضبط المصطلح الأدبي والنقدي والآلية التي نتبع بها النص تقييما وتقويما ربما أفتقدها أنا ....
فالمعيار الذي يتتبع نصا مثل :
يلم شمل العائلة
ويربك الحداثة ،
يجمع الخطى من الشوارع البعيدة
ويفرغها في حجرك
مثل كيس الحمص
مندرة العائلة صـــــ 67
لن يكون أبدا هو المعيار الذي يتعامل مع ....
لا شك أنهم ثرثروا كثيرا
وما من أحد فهم شيئا
إلا بعد انقلاب سيارة
أو انفجار أنبوبة غاز
أو تجلط في المخ
لكن الروعة والمتعة التي تتجسد من شعرية رائعة رائقة ولغة شديدة الخصوصية نابعة من جذور الشاعر ومجاز متفجر
الدلالات كل هذا علاوة على إيقاع عميق يخدم النص ويجلي الشعرية .. كل هذا يتجسد في نص (طمأنينة الأشقاء)
فإذا تحققت الدهشة ثم المعرفة ثم اللذة ثم المتعة خالدة الأثر عبر مجاز ولغة وإيقاع فماذا ينقص الشعر .. ؟!
لا شيء يقينا
نفس الأمر قد نتلمس بعضا من ه في (الناحرون كأصدقاء)
وفي (تهم بابتسامة ولا تتمها)
ثم تكتمل الروعة الشعرية الخالصة المصفاة في (كأي ميت) عبر صور مبتكرة ، لغة تبدو للوهلة الأولى دارجة لكن دلالتها ومواضعاتها مبتكرة ، إيقاع داكن الحزن
إن (الموتى يقفزون من النافذة) كرس لأسمى ما في الإنسان ... حزنه ، وأصدق يقين في رحلته ... موته قدم في معظم نصوصه مراوحات بين القصة والشعر – وقلت – هذا ليس عيبا لدى
النثريين .. لكنه حين غلبت الشعرية وانفلت المجاز زاد النص إبداعا وسموا ..
الشعر لا يحتاج نصوصا تعينه .. إنما قمة امتداح الرواية .. المسرحية .. القصة .. أن توصف عبارة ما فيها بأنها شعرية ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق