- Unknown
- 11:45 ص
- الشاعر عمرو الشيخ ، بهجت صميدة ، دراسات نقدية ، دراسات نقدية بقلمي ، ديوان العصافير ترفض موتي
- لاتوجد تعليقات
الشعر إرادة حياة .. دراسة في ديوان (العصافير ترفض موتي)
للشاعر / بهجت صميدة
"مدخل"
الشعر فقط هو ما ينحاز إليه المبدع والشاعر الكبير بهجت صميدة في ديوانه الثاني (العصافير ترفض موتي) ..ربما يقع بعض المبدعين – وخصوصا الشعراء – في ورطة أو فخ الانحياز إلى الأيدولوجيا / استعراض الثقافة / غلبة الفكر / الاتكاء على الخيال وحده / اللغة والموسيقى ..
كل هذا بعض من مكونات الشعر ولا يستقيم – منطقيا – أن تطغى أحد مكونات شيء على الشيء ذاته أو المغزى منه لذلك يكون الشعر مفخخا خاصة عند شاعر عميق الثقافة والأيدولوجيا صاحب فكر خاص في الحياة عموما مثل (بهجت صميدة) أقول مفخخا لأنه ربما يغلبه الفكر إلا أن الديوان عبر مستويات عدة لا يعلو فيه صوت على صوت الشعرية الممتعة المبدعة المدهشة واتكاء على الإمتاع والدهشة والإضافة إلى الإنسانية يبني الشعراء العظام شعرهم .
1ـ العنوان : العصافير ترفض موتي ..
المراوغة البناءة فضاءات من الخيال فالمتعة فالمعرفة أحد أهم غايات الشعر وإلا صارت إلغازا أجوف لا قيمة له ، هذا ما يطرحه العنوان الرائع للديوان ..
فنجد تلك المراوغة البناءة من هذا العنوان الجميل (العصافير ترفض موتي) .
الموت كظاهرة حتمية كونية يطرحه الشاعر على مائدة القبول والرفض .. لكن أي موت ؟ هل هو الموت البيولوجي ؟ الموت الفيزيقي ؟ الموت الإنساني المعروف ؟
بالطبع لا إن الموت الذي ترفضه عصافير (بهجت) ليس إلا الحياة المادية الوقحة التي يتسامى الشاعر عن الانغماس والتورط فيها .
إن الحياة المتدنية ليست إلا الموت في نظر وفكر شاعرنا أما (العصافير) فقد تكون قصائده ، لحظات التسامي في حياته ، مثله العليا الرقيقة التي تتناسب تماما مع شخصية شاعرنا الرقيق ومن قال : إن (العصافير تقوى على رفض موته ؟؟) إنها فقط تحاول ، ولعل ذلك يؤيده استخدامه للفعل المضارع (ترفض) وما له من اتساع زمني واستمرار...
كذلك ليس هو الموت المعروف إنما هو موت (بهجت) فقط إن هذا العنوان يأخذنا لفضاء افتراضي رائع ألا وهو أن الشعر عند بهجت ليس بديلا عن الموت ولا بديلا عن الانتحار ولا بديلا عن الحياة المرفوضة أو المفروضة إن الشعر عند بهجت هو الحياة أو قل هو حياة خاصة جدا .
حتما سيموت (بهجت صميدة) يوما ما الموت المتعارف عليه لكن ستظل دائما عصافيره ترفض هذا الموت ولسوف تبقى زقزقاته الشعرية سرمدية الصدى ...
2ـ مهمة الشعر عند بهجت صميدة ..
الشعر يغسلني ويمنحني نهارا من جديد
يستل من قلبي الهموم يذيبها مثل الجليد
ويطير بي نحو السماء أداعب النجم البعيد
وأعود منتعشا كأني ألف إنسان سعيد (انتعاش صــــــــ 10)
إن الشعرية هي عطر ما بعد الغسل !! الشعر يغسل (بهجت صميدة) .. مم ؟ من الحياة .. من كل أوجاعها حقارتها ، الشعر لدى (بهجت صميدة) ليس حائطا للمبكى ولا استعراضا للأحزان ولا دفنا للجمال بمبرر الحزن العظيم ورفض الوجود ، الشعر دهشة وجمال ونهار جديد وابتعاد عن أسئلة الأرض التي لا تحل إلا في السماء .
الشعر طاقات لا نهائية (كأني ألف إنسان سعيد) ولا تنسى (كأني) .
لولا هذه العودة كألف إنسان قادر على إبداع المزيد والمزيد لكان الشعر مجرد مسكن وملطف .
إلا أن الشعر إجابة لأسئلة (بهجت) ومعرفة له وللقارئ ، الشعر يصل به إلى النجوم .. الشعر يفك له شفرة الأرض حين يحلق في السماء ..
أيضا تتجلى مهمة الشعر في أنه حياة أخرى جديدة تماما في (العصافير لا تمنح الظالمين الهوى) صـــــــ 20 حين يقول :
القصيدة ماء على شاطئ الصمت
ينبت وسط الرمال حدائق
..
فأشرب بعضا من الماء
كي لا يمر لقلبي الفناء
فالشعر بدو هنا هو النطق وسط الرأس ، هو المواجهة ، هو أحصن حصون مواجهة الموت / الحياة التقليدية لدى شاعرنا .
ـــ كذلك من مهام الشعر المعرفة .. المعرفة للشاعر قبل القارئ يقول بهجت في (العصافير ترفض موتي) 27 :
وجوها أرى .... ؟!
أم أرى أقنعة ... ؟!
يغطي الدخان جميع الأماكن
والريح تنفخ فيّ النار
تحرق جثة هابيل
ترفض أن تدفنه ..
الشعر يسبر غور الثوابت لا يزلزلها ، ويزيل غبار الأوهام لا يكسرها ، ويفسر أسئلة السنين .. الشعر يكشف كل غامض ويزيل الزيف الإنساني ويكشف الجاني ويدافع عنه لا يفترسه ويحتفظ بحق المجني عليه مهما حاول الوجود إخفاء معالم جريمته ضد الإنسان.
ـــ الشعر هو حصاد لحظة الصبر على مكاره الوجود وتحويلها لثمرة شعرية ممتعة :
فصبر جميل
عسى الحرف أن يأتيني بماء ..
ومن مهام الشعر لدى (بهجت) استخدام الدراما والحكي داخل الشعر بشروط الشعر وما فيه من لغة مكثفة وخيال وعاطفة مهيمنة أي أن الدراما والحكي القصصي ليسا إلا لؤلؤتين في العقد الشعري لدى (بهجت صميدة) .
ولعل هذا يتجلى في العديد من نصوصه وعلى رأسها عملية (زرع إنسان) صــــ 58 ، 59 ، 60
من حين انفجر الدم إلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى وأنا أرجو أن أرتاح
حين انفجر الدم من قلبي
طافت بي أحلام سمائي
وأنا أنزف
أعلن بنك الدم أن فصائلَ حلمي
قد تتوفر بعد قليل
أعلن أن بلازما الحب – الآنَ –
انتشرت في طرقاتي
قد يحتاج طبيبي في العملية بضع سنين
لينزع عني كل الخَبَثِ
يُبَدِّلُ بالأعضاء الصناعية
* تلك الموجودة في جسدي –
أعضاءَ من نور لا تُبتَر
لا يستشري فيهم السم
في المستشفى كنت أجهز نفسي للعملية
شاهدت بعض المرضى يتعافون
ففي بعض الحجرات يطيرون
وفي أخرى يفترشون الأرض
ويبكون دماء
تغسل كل سِن البنجْ
أحلق كل شعر بجسمي
أخلع نظارتي
أخلع كل شيء
يمتاز طبيبي بهدوء أبيضَ
يطلب مني أن أرتاح
وأنا أرجو أن أرتاح
هنا يجعل (بهجت) لشعره مهمة الراوي وذلك من خلال أسلوب قص أسطوري لم يعتمد فيه على أسطورة موروثة بل صنع هو أسطورته وحكاها شعرا خالصا في محاولة منه لاستبدال كل ما هو روحاني ومطلق بالجسماني والمقيد .
كذلك وظف المكان وتفاصيله لتكثيف زمن شعريته ذلك الزمن الذي لا يحاصره وقت بحثا عن خلاص من أزمة الوجود نحو آفاق الحلم ، هذا الحلم / الشعر لا يجده الشاعر إلا عبر شعره فقط .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق