- Unknown
- 11:26 ص
- الشاعر عمرو الشيخ ، حوار صحفي ، مجلة الاذاعة والتليفزيون ، مقالات
- لاتوجد تعليقات
هل يجوز للشاعر أن يؤرخ لأوجاع الوطن عبر نصوصه ؟
حديث لمجلة الإذاعة والتليفزيون
وهل الانحياز السياسي ينقص من جماليات الشعر ؟
الوطن .. آآآآآآه .. هذا الوطن أوجعنا وأشبعنا حبا وتخوينا وتفتيشا وتخريبا وتقسيما .. لكن مهما يعاني الشاعر الشريف فلا يزداد إلا حبا لبلاده وأسوتنا رسول الله $ فكم آذاه أهل مكة وعندما هاجر منها مرغما مطيعا – لأمر ربه – كان حزينا وقال مقولته الشهيرة : "والله لأنك أحب بلاد الله إليّ ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت" إذن حب الوطن فطرة ، حتى لو كفر بالأنبياء فما بالك لو لم يعترف بالشعراء فلن يتزلزل هذا الحب أو يتزعزع وبالتالي فلا يمكن أن يمر الوطن بأزمة ولا ينفعل بها الشاعر فتلك شهادة له وعليه ، وحقيقة أنا في بداية أحداث يناير اندفعت بعاطفتي منفعلا ومتخوفا في نفس الوقت .. فكتبت (الهامش – المتحف – شُبِّهَ لهم) ولا شك أن التخوف من أخلاط غير قابلة للائتلاف في الميدان وعدم وجود زعيم وأهداف واضحة جعلني أتوقع في تلك القصائد أن سقوط النظام الفاسد ليس النهاية السعيدة فالساقط فاسد .. والمسقِطون .... !! لا أدري ثم جاءت قصيدتي (ربيع الجثث) تنحاز للقتلى من كل الأطياف سواء كان جنديا ، إخوانيا ، سلفيا ، ليبراليا ، نصرانيا .. أعلنت انحيازي للدم المصري وبالطبع هذا ما لا يروق الجميع مما جعلني في ديواني الأخير (أساطير الآخرين) أقتدي بحبيبي (أبي ذر) وأمشي وحدي بعيدا عن عورات السياسة وقلت سآوي إلى حلم الذات والرومانسية لعله يعصمني من طوفان الفتنة .. ولعل ذلك يقودني لأعلنها واضحة أن الانحياز السياسي ينتقص – في رأيي – من جماليات الشعر وشرفه .. الشعر لا ينحاز إلا إنسانيا .. جماليا .. أخلاقيا .. وتلك أشياء لا تعرف المنفعة أو القوة بعكس السياسة القبيحة . صدقني الشعر الذي يكرس لليسار أو للإخوان أو لنفاق حاكم ما .. ساقط ساقط .زاوجت في ديوانك الأخير (أساطير الآخرين) بين النثر والقصيدة التفعيلية ، كيف تزاوج بين نمطين كتابيين لكل منهما قوانينه ؟
منذ ديواني الثاني (المملوك) وأنا أجمع بين النثر والتفعيلة والعمودي إيمانا مني بالانحياز إلى الشعر .. فهذا هو الانحياز الوحيد الحق .. الشاعر هو ذلك القادر على امتلاك أدواته وتطويعها حسب ثقافة موسوعية ، عقلية تقدمية مستنيرة ، هوية ، تراث .. تلك الأدوات الشاعر فقط صاحب الحق في كيفية استخدامها بشرط امتلاكها حقيقة .
ولذلك لا أستحيي أن أرفض شاعرا لا يكتب النثر لا كوجهة نظر بل كعجز عن امتلاك العروض (تفعيلة – أو عموديا) درويش كتب كل الأشكال .. البياني .. مطر .. هذا هو الشاعر من يمتلك كل الأدوات ، نحن نصدق الغني عندما يزهد في اللحم أو يهجره باعتباره نباتيا ، أما الفقير فلو ادعى ذلك سنرى أنه يبرر عجزه ..
الشاعر عندي من يمتلك كل الأدوات بحرفية وتقنية عالية كلها نعم كلها .. ولدي نصوص كثيرة أقمت الشعرية فيها مستخدما التفعيلة جنبا إلى جنب مع العمودي والنثري وربما مشهدا مسرحيا فالشعرية منزلة من حقي – ما دمت أمتلك القدرة – أن أرتقي إليها بأي سبيل.
ولعل (أساطير الآخرين) – كما أرجو – يعكس ذلك – وأدعى أنني بنيت فيه – نثرا – أسطورتي – الخاصة القائمة على تراثي وهويتي وذاتي في الجزء الأول من الديوان ثم بنيت الجزء الثاني شعريا .. والأمر في النهاية بين أيدي القراء والشعراء والنقاد ..
لك آراء حادة في قراءتك للمشهد الشعري بخاصة والثقافي بعامة فهل لديك خارطة للإصلاح ؟
إذا كانت حادة بمعنى واضحة قوية فأنا أقبل ذلك الوصف في السؤال وأفتخر به ..
المشهد الشعري في مصر – بلا سبب – اقترن طويلا باليسار وبجمهورية القاهرة العربية ، ثم ازداد الأمر سوءا حين ارتسمت صورة المبدع لدى البعض بذلك الشخص غربي الثقافة ، عديم الموروث ، يشرب ، لا يصلي ، منفلت في ألفاظه ، مخترقا لكل التابوهات .
بالطبع ليس كل المبدعين كذلك بل البعض ولكن قُدِّرَ لهم الظهور في مقدمة المشهد ولعل ذلك التطرف يسارا لا يقل خطرا في ضرب ونزع الهوية من التطرف يمينا بل لعل المتأسلمين وجدوا في تلك النماذج مبررا لرفض الحداثة والتنوير .
كذلك هناك انفلات إبداعي حدث استجابة لحرية ما أجهلها استجابة لما بعد الحداثة فخرجت علينا كتب عنوانها (نصوص) تكتسب شرعيتها من (العبر نوعية) فلا هي شعر ولا هي قصة ولا هي .. ولا هي .. ليست إلا استجابة لأدونيس ورفاقه أصحاب حلم نزع الهوية منذ منتصف الخمسينيات .. هو معذور الرجل خلع كل تراثه وقبل كل أعتاب الغرب ابتغاءً لوجه نوبل – فلم ولن – ينالها .. لكن نحن هنا .. حراس الهوية واللغة والتراث وصناع الحاضر والمستقبل .
هل يعقل أن تتطور الرياضة فتختلط ملاعب الهوكي بالكرة بالتنس بالسلة بالسباحة .. عبر نوعية رياضية ؟!!
فلنطور القصة .. داخل إطارها ولنطور الشعر داخل فضاءاته .. هذا الخلط المزعج المريب جرأ البعض أن يدعي الريادة تارة لشعر اللهجات العامية وتارة للرواية .. وهذا ما لن يحدث يوما نحن أمة .. الشعر ديوانها وعلمها الأول ..
أما الثقافة كمؤسسة فأنا إقليمي جاهل بحال جمهورية القاهرة لا يمكن أن أفهم شفرات المؤتمرات في الداخل أو الخارج ولا كابوس النشر ولا الفحص ، ولا التفرغ ومنحه شديدة الحيدة والشرف !!
أنا – لم ولن – أُدْعَى في حياتي لمؤتمر داخل أو خارج مصر ولا حتى ورا بيتنا .. لا لشيء سوى أنني دمنهوري لست يساريا ولا نخبويا ولا شلليا أنا شاعر فقط لي أربعة دواوين ونشرت قرابة المائة قصيدة .. ولكن فصيلة دمي ليست من فصيلة دم المؤتمرات !!
ثمة سؤال متكرر عما إذا كانت قصيدة التفعيلة قد استنفدت أغراضها .. ولم يعد لديها ما تقدمه ، أم أن العبرة ليست في الشكل الشعري بقدر ما هي في عوامل أخرى يقف عليها النص الجيد ؟
قد أكون أجبت هذا السؤال في السؤال السابق .. لا شك أن فضاءات قصيدة التفعيلة لم تُستهلك أغراضها بعد .. القصيدة العمودية عاشت – ومازالت تعيش – قرابة الألفي عام فهل سبعون عاما كافية لاستهلاك نمط إبداعي ؟؟ بالطبع لا الشاعر الجيد والنص الجيد لا يخضعان لقيود الشكل .. ولذلك فمازال لدى قصيدة التفعيلة الكثير والكثير ولكن للمواهب الحقيقية التي تمتلك الأدوات .
رأيك في الدور النقدي – كشاعر – هل قام بدوره خاصة في ظل الفجوة الواسعة بين الأديب والمتلقي ؟
للأسف النقد في مصر انفصل معظمه عن الهوية منذ الثمانينات وغرق في معادلات البنيوية – البعيدة عن الذائقة العربية – فزادت الهوة بين الشاعر والمتلقي وازداد النص الشعري طلسمة وانفلاتا ثم تفاقمت الأزمة حين صار الشاعر يطارد الناقد ويلح عليه لعله يفوز بدراسة أو مقال ، وأعترف أنني طرقت بعض أبواب لبعض النقاد الكبار لعلي ... وما زلت أطرق .
هل حدثت قطيعة بين الجماهير والأدب ؟ وما سببها في رأيك ؟
وهل تلك القطيعة أصابت قصيدة الفصحى الحداثية تحديدا مما أفسح المجال للرواية وقصيدة العامية ؟
لا شك أن ميراث السبعينيين كان ثقيلا تورط فيه جيلان كاملان بعدهما فعانت القصيدة العربية – في معظمها – من تعقيدات وطلاسم فلسفية مغرقة في التغريب والإلغاز ولا يعني هذا أنني أنادي بالسطحية .. لا على الإطلاق فقد يكون النص تافها وغامضا ، وقد يكون عميقا وليس ملغزا لكن الورطة اكتملت في تعالي المبدع وتهويماته من جانب وانصراف المتلقي عن القراءة من جانب آخر في ظل إحباط اقتصادي وسياسي خاصة في مصر . قد يكون العالم العربي بعيدا عن الأزمات الاقتصادية لكن الوعي المصري لا يقارن بوعي الخليج مثلا ..
هنا حدثت القطيعة بين الشاعر الملغز المتعالي والجمهور المطحون المبتعد عن الثقافة أو قل ترك القراءة واكتفى بمشاهدة الإعلام والإعلام العربي في مجمله وسيلة تجهيل لا تعليم ، تعتيم لا تنوير .. الإعلام يخدم فقط طبقة الحكام والطبقات الطفيلية المنتفعة منهم كذلك غياب الدور النقدي الميسر الذي يحدث التقارب بين النص والقارئ .. والله بعض القراء كان يشعر أن دراسات مجلة فصول مثلا ربما تزيد النص تعقيدا .
لماذا نخجل من تحليل النص ؟ لماذا لا نهدم صنم موت الشاعر ؟ لماذا لا نتيح للشاعر في ندوة مثلا أو لقاء صحفي أن يكتب شهادته هو حول تجربته .. كثيرا ما حلمت وتمنيت أن أقيم ندوة ما أقرأ فيها نصوص وأتحدث عنها ربما لو حدث هذا بشكل موسع لأمكن استعادة العلاقة ثانيا بين الجمهور والشعر .
ولا شك أن تهويمات القصيدة في الثمانينات والتسعينيات أتاحت للقصيدة النثرية الظهور بما تحمله من يسر ومعايشة لليومي ببساطة وأتاح للعامية حلم السعي نحو الريادة جنبا إلى جنب مع الرواية ، ولعلنا نلحظ في السنوات العشر الأخيرة تطور كبير في ازدياد جهود الرواية ..
لكن تبقى قصيدة الفصحى الخالدة هي أم الفنون العربية بلا جدال .
هل يمكن لمدينة عريقة كمدينة دمنهور أن تمنح أدباءها سمات خاصة أو مشتركة ، أم أن الإبداع يتجاوز خصوصية المكان إلى آفاق إنسانية أرحب ؟
دمنهور مدينتي أحب بلاد الله إلى قلبي ، والآن – ليس انحيازا بل واقعا – تشهد حراكا أدبيا رائعا من أفراد في ظل يتم مؤسسي من دولة القاهرة الثقافية الشقيقة !!
معظمنا يبدع فقط ولا يملك التواصل أو التحقق إلا من سعى وراء موهبته بكل السبل ، ويشهد الله أن هناك مبدعين من جيلي – خاصة في العامية – لكل منهم صوته الخاص لكن مسألة أن المكان يفرض سماته .. فهذا لا شك فيه ولكن كل أديب يهضم ويتمثل بطريقته .. فالإبداع عمل فردي .. نعم فردي بحت جذوره تضرب في الذات وفروعه تمتد إلى آفاق الإنسانية الرحبة .
وفي جيلي لا شك أن هناك تجارب رائعة مثل : هشام عمر ، وسعيد عبد المقصود ، ومحمد خميس ، وعمر مكرم ، وعماد عامر في العامية وهم أبناء نفس المدينة ونفس اللهجة لكن لكل مبدع خصوصيته الفنية الرائعة وفي الفصحى – من جيلي – قد تكون الدائرة أضيق كثيرا ربما لا تضم إلا بهجت صميدة .. والعبد لله .. نعم جمعتنا دمنهور ، بأصالتها وبساطة أهلها ، وبعدها عن صخب العاصمة .. لكن الإبداع يظل دائما فرديا .. في دمنهور طيور نشأت في نفس الأشجار .. لكن كل واحد يغرد بطريقته ، له صوته الذي يقدر أن يطرب الإنسانية .. لكن السؤال هل يمكن لصوتي أنا وأصدقائي أن يطرب القاهرة بمؤسستها الثقافية وحصون نقادها ؟؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق